الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فاتّقو الله ـ رحمكم الله ـ ما استطعتم، فمن ابتغى غنًى مِن غير مال وغزًّا بغير جاه ومهابةً من غير سلطان فليتّقِ الله، فربُّكم سبحانه مغزُّ من أطاعه واتّقاه، ومذلُّ من خالف أمرَه وعصاه، سبحانه وبحمده، لا يذلُّ من والاه، ولا يعزُّ من عاداه، لا إلهَ غيره، ولا ربّ سواه.
أيّها المسلمون، الأمنُ مطلبٌ عزيزٌ وكنـزٌ ثمينٌ، هو قِوام الحياة الإنسانيّة كلّها، وأساس الحضارة المدنيّة أجمعها، تتطلّع إليه المجتمعات، وتتسابق لتحقيقِه السّلطات، وتتنافس في تأمينه الحكومات، تُسخَّر له الإمكانات الماديّة والوسائلُ العلميّة والدراسات الاجتماعيّة والنفسيّة، وتُحشَد له الأجهزة الأمنيّة والعسكرية، وتُستنفَر له الطاقات البشريّة.
مطلبُ الأمن يسبق طلبَ الغذاء، بغيرِ الأمن لا يُستساغ طعام، ولا يهنَأ عيش، ولا يلذُّ نوم، ولا يُنعَم براحة، قيل لحكيم: أينَ تجِد السّرور؟ قال: في الأمن، فإنّي وجدتُ الخائفَ لا عيشَ له.
في ظلِّ الأمن تحفَظ النفوس، وتُصان الأعراض والأموال، وتأمن السبل، وتُقام الحدود، ويسود العمران، وتنمو الثّروات، وتتوافر الخيرات، ويكثر الحرثُ والنّسل. في ظلّ الأمن تقوم الدعوة إلى الله، وتُعمَر المساجد، وتُقام الجُمَع والجماعات، ويسود الشّرع، ويفشو المعروف، ويقلُّ المنكَر، ويحصل الاستقرار النفسيّ والاطمئنان الاجتماعيّ.
وإذا اضطرب الأمن ـ عياذًا بالله ـ ظهرت الفتَن، وتزلزلت الأمّة، وتخلخَلت أركانُها، وكثُر الخبث، والتبَس الحقّ بالباطل، واستعصى الإصلاح على أهلِ الحقّ. إذا اختلَّ الأمن ـ عياذًا بالله ـ حكم اللّصوص وقطّاع الطريق، وسادت شريعةُ الغاب، وعمّت الفوضى، وهلك النّاس. وتأمّلوا بلدانًا من حولِكم اختلَّ فيها الأمن، فهلك فيها الحرث والنّسل، وسُلِبت الأموال، وانتُهكت الأعراض، وفسد المعاش، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله.
ومِن أجل هذا فإنّ كلَّ عملٍ تخريبيّ يستهدف الآمنين ومعصومي الدّماء والنّفوس فهو عملٌ إجراميّ محرّم، مخالفٌ لأحكام شرع الله، فكيف إذا كان القتل والتخريبُ والإفساد والتدمير في بلدٍ مسلم، بلدٍ يُعلي كلمةَ الله، وترتفع فيه راية الدِّين والدعوة وعلمُ الشرع وحكمُ الشّرع؟! ثمّ كيف إذا كان ذلك في مهبط الوحي ومبعَث الرسالة المحمّدية، في الحرَم الحرام، في أقدس المقدّسات؟! ثمّ كيف إذا بلغ الضّلال بأصحابه، فجعلوا القرآنَ الكريم وسيلة للتّدمير ووضعوا بين دفّتيه أدوات التّفجير، كما جعلوا ماءَ زمزم الطاهر أداةً للتضليل والتّمويه؟! إنّ ذلك كلّه يزيد الحرمَة حرمةً والإلحاد إلحادًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فكم من نفس مسلمة بريئة أزهِقت، وكم من أموالٍ وممتلكات محتَرمة أتلِفت، وكم من نفوس آمنة رُوِّعت. مفاسدُ عظيمة، وشرور كثيرة، وإفساد في الأرض، وترويع للمؤمنين والآمنين، ونقضٌ للعهود، وتجاوزٌ على إمام المسلمين. جرائمُ نكراء، في طيّها منكرات. أين يذهَب هؤلاء من قول الله عزّ وجلّ: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]؟! وأين يذهبون من قوله : ((لزوال الدّنيا أهون عند الله من قتلِ رجل مسلم)) أخرجه النسائي والترمذي[1]، ومن قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يزال المسلم في فسحةٍ من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا))؟![2].
أعمالٌ سيّئة شرّيرة، تثير الفتنَ، وتولِّد التحزّب الذي يدمّر الطاقات، ويشتِّت الجهود، ويهدر المكتسَبات، ويؤخِّر مسيرةَ الإصلاح، ويخذل الدعوةَ والدعاة، ويفتح أبوابَ الشرّ أمام ألوانٍ من الصّراعات، بل ربّما هيّأ فرَصًا للتّدخّلات الخارجيّة والمحاولات الأجنبيّة، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
إنّ الموقفَ الصّريح الذي لا لبسَ فيه، ولا يُختَلف عليه هو إنكارُ هذا العملِ واستنكاره ورفضُه وتجريمه وتحريمه، ولْيحذر مَن أراد الخيرَ لنفسه من عمَى البصيرة وتزيين الشيطان، فيرى الحقّ باطلاً، والباطل حقًّا عياذًا بالله.
إنّ من المعلوم أنَّ الخوارجَ كانوا أهلَ عبادة، وفيهم مظاهرُ الصّلاح وإظهارٌ لبعض الشعائِر كما جاء من أوصافِهم في الحديث: ((تحقِرون صلاتكم عند صلاتهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوِز حناجرَهم))[3]. هؤلاء الخوارجُ ظهروا في خير القرون وأفضلها، في عهدِ صحابة نبيّنا محمّد فوصل بهم الحال، إلى أن حاربوا الصّحابة والمسلمين، بل قتلوا الخليفتَين الرّاشدَين عثمان عليًّا رضي الله عنهما.
ألا يكفي زيفًا وضلالاً أن يُجهِّل الخوارج صحابةَ رسول الله ويكفِّروهم ويحاربوهم؟! لقد كان عند الخوارج شيءٌ من حماس و نوع مِن إخلاص، ولكن لم يكن عندَهم عِلمٌ صحيح ولا فِقه عميق، حاربوا الصحابةَ، وقتلوا الخلفاء، زاعمين أنَّ هذا هو طريق الإصلاح. حارب الخوارج مِن أجل القضاء على حُكم بني أميّة زاعمين أنّ هذا هو الطريق إلى الخلافة الراشدة، والذي حصل أن جاء حُكم بني العباس على أنقاضِ بني أميّة وجُثَث الخوارج على حدٍّ سواء، ومَن تجاهل التاريخ تجاهله الواقع، فافقهوا سننَ الله، واستقيموا على الحقّ، وخُذوا بالعلم الصّحيح مِن أهله.
سبحانَ الله، إنّ إخلاصَ الأمِّ الجاهِلة لا يفيدها في تربية ابنها على نحو سليم، وإنّ لوعة الأب وخوفَه على ابنِه لا يغنيه عن علاج الطبيب، وبعضُ محبِّي الإسلام اليومَ لا ينقصهم إخلاصٌ ولا حماس، ولكن ينقصُهم العلم الصحيح والفقه الدقيقُ وحسنُ التديُّن، الإخلاص والحماسُ يولَد في زمنٍ قريب، أمّا العلم والفقه فيحتاج إلى وقتٍ طويل وتعليم وتدريب وسلامَةِ حواسّ وكفاءَة معلِّم.
أيّها المسلمون، إنّ من أعظم أسباب انحراف هؤلاء الجهلَ والعزلة عن المجتمع وعدمَ أخذِ العلم من أهله وغفلةَ الأسرة، وإنّ في بعضهم إعجابًا بالنّفس كبيرًا، وهذه كلّها من الصوارِف عن الحقّ والفقهِ وأخذ العلم من أهله وأبوابه.
معاشرَ المسلمين، وثمّةَ سببٌ في الانحراف كبير، ذالكم هو الوقوعُ في دائرة الغلو. إنّ الغلوّ في دين الله هو ـ والله ـ سببُ الهلاك، فلقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إيّاكم والغلوّ، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ))[4].
الغلوّ مشاقّة حقيقيّة لهدي الإسلام، وإعراضٌ عن منهجه في الوسط والاعتدال والرحمَة واليسر والرِّفق. الغلوّ ظلمٌ للنّفس وظلمٌ للنّاس، بل فيه صدّ عن سبيل الله لِما يورثه من تشويه وفتنةٍ وتنفير. الغلاةُ يتعصّبون لجماعتِهم، ويجعلونَها مصدرَ الحقّ، ويغلُون في قادتِهم ورؤسائِهم، ويتبرّؤون مِن مجتمعات المسلمين، ويكفّرون بالمعاصي، ويكفّرون أهلَ الإسلام وحكّامَ المسلمين، ويقولون بالخروج على أئمّة المسلمين، ويعتزلون مجتمعاتِ المسلمين، ويتبرّؤون منهم، لا يصلّون خلفَ أئمّة المسلمين في مساجدِ المسلمين. لقد وصفهم نبيّنا محمّد بوصفَين ظاهرين خطيرَين في قوله عليه الصلاة والسلام: ((يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرَهم، يقتُلون أهلَ الإسلام ويدَعون أهلَ الأوثان)) أخرجه البخاري ومسلم [5].
الخميس سبتمبر 16, 2010 3:24 pm من طرف قمر على هيئه بشر
» عصير أفوكادو مع القشطة والفستق
الأحد أغسطس 29, 2010 10:49 am من طرف الريان
» صلاة من قبلنا ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات والهيئات.
الأحد أغسطس 29, 2010 4:34 am من طرف الريان
» حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر
السبت أغسطس 28, 2010 8:09 pm من طرف الريان
» الواجبات المالية في الإسلام
السبت أغسطس 28, 2010 8:06 pm من طرف الريان
» حكم من رد السنة جملة وتفصيلاً
السبت أغسطس 28, 2010 8:03 pm من طرف الريان
» خبر مهم الى متعب
السبت أغسطس 28, 2010 2:36 pm من طرف بموت فيك
» افضل موقع ثيمات على وجه الأطلاق
السبت أغسطس 28, 2010 9:58 am من طرف الريان
» قبل ان تبيع جوالك
السبت أغسطس 28, 2010 9:55 am من طرف الريان